فلسطين اليوم- غزة (خاص)
اجتمعت الصديقات الثلاثة "دنيا وآمنة وإيمان" كعادتهن لمناقشة إجراءات إتمام زواجهن المقرر خلال أواخر يوليو الحالي، وفيما أصرت الأولى على شراء الذهب من مهرها، قررت الثانية إعطاء قيمة الذهب لخطيبها لمساعدته في تكاليف الزواج، فيما اقترحت الأخيرة شراء الذهب ومن ثم بيعه فيما بعد، حتى لا تكون عرضة لـ(كلام الناس)
وفيما بدا النقاش محتداً بينهن، كانت تحاول كل واحدة منهن تبرير موقفها، حيث أكدت "دنيا" على إصرارها على شراء الذهب كون ذلك حقاً لها، وأنها لن لتبيع مصاغها إلا في حالة شراءها منزل تملكه وزوجها وليس لشراء حاجيات للفرح تنتهي بسهولة.
أما "آمنة" فقد رأت أنها لن تكون سعيدة إذا كانت تتزين بالذهب فيما أن زوجها يعاني من الديون ومن ضائقة مالية، لتؤكد أن الذهب خصص لأوقات الضائقة ولن تجد وقتاً أسوأ من هذه الأيام العصيبة لتساعد زوجها وإتمام زواجهما.
ولأن الناس لا يرحمون في مجتمعنا، ولهم كلمتهم فيما يتعلق بمسألة الذهب، فقد رأت "إيمان" أن أفضل حل بالنسبة لها هو شراء الذهب ولبسه ومن ثم بيعه في وقت لاحق لسداد ديون زوجها المتراكمة خصوصاً أن زوجها يعمل موظف في السلطة وراتبه بالكاد يكفي لإتمام الزواج.
وقد كانت الظروف الاقتصادية التي يعاني منها شعبنا منذ اشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع قبل ثلاث سنوات سبقها انتفاضة أتت على البشر والحجر كلمتها الأخيرة، حيث جعل من إمكانية الحياة البسيطة للمواطن أمراً عسيراً، فيما بدأ المواطنون التغلب على الأمر بالبحث عن بجائل أخرى، حيث بدأت الكثير من الفتيات باستبدال الذهب الحقيقي بآخر يباع في الأسواق بأثمان قليلة للتزين به.
المواطنة نسرين أبو صفية، تؤكد أنها اضطرت لاستعارة الذهب الخاص بزوجة شقيقها لتقوم بارتدائه في يوم زفافها، منتقدةً بعض العادات والتقاليد التي تحكم على الزوجة لبس الذهب أمام الناس والتفاخر فيه، فيما يوجهون نقداً لاذعاً لمن يرونه خالية اليدين، قائلةً:" نحن نحكم على أنفسنا بالموت أحياناً بعاداتنا التي اعتدنا عليها وتوارثتها الأجيال فقط لتحقيق غاياتهم وإرضائها".
من ناحيته، أكد أبو خالد صاحب أحد محلات المجوهرات في مدينة غزة لـ"فلسطين اليوم"، أن عالمياً تعتبر أسعار الذهب مرتفعة، وليس فقط في فلسطين، ولكن الأمر يختلف في قطاع غزة تحديداً بسب الحصار والإغلاق الإسرائيلي المحكم والذي أدى إلى قلة الإمكانيات المادية وانتشار الفقر والبطالة بين المواطنين وبالتالي عجز الكثير عن شراء الذهب.
وأضاف أبو خالد، أن ثلث زبائنه يقومون ببيع الذهب الذي يتم شرائه، فيما أن الكثير من النساء اللاتي يقمن بشراء الذهب على أساس بيعه في وقت لاحق، وهذا يتعلق ويظهر من نوعية الذهب الذي يتم شرائه.
وأشار، إلى أن الكثير من الزوجات خاصةً اللاتي تزوجن حديثاً يقمن ببيع مصاغهن بعد إتمام مراسم الزواج بأسبوع أو أسبوعين، وذلك لمساعدة أزواجهن في تسديد تكاليف ومصاريف الزواج، وهذا يظهر التماسك والتعاون بين الأزواج، على الرغم أنه لم يخف امتعاض بعض الأمهات من بيع بناتهن لمصاغهن حيث يبررن ذلك بأن مصاغهن يحفظ حقوقهن.
وعن رأي الشرع في هذه القضية، أكد الشيخ الدكتور حسن الجوجو رئيس المحاكم الشرعية في قطاع غزة في حديث لـ"فلسطين اليوم"، أن المرأة شرعاً لها ذمة مالية مستقلة، فالمال الذي تكسبه سواء من عمل أو ورثة أو تعويض عن حادث ما أو مهرها لها حرية التصرف فيه.
وأضاف الجوجو، أن مجتمعنا الفلسطيني يتميز بكونه متضامن ومتعاون وعلاقاته قوية ومتماسكة خصوصاً بين الأزواج، فلا يعقل أن الزوجة ترى زوجها في ورطة وضائقة مالية وتقف متفرجةً عليه، حيث تبادر لمساعدته ومساندته في كل تفاصيل حياتهم المشتركة، لذا يحق للزوجة إعطاء الزوج ذهبها لبيعه أو حتى عدم شرائه وتقدميه لزوجها لمساعدته.
وشدد الشيخ الجوجو، على أنه ليس لزاماً على الزوج إجبار زوجته على بيع مصاغها ولا يحق له ذلك، ولكن يمكن للمرأة من نفسها أن تقدم مصاغها لزوجها لبيعه دون مهانة، أي بطريقة لبقة كأنه تضعه في مظروف أو بطرق متعددة أخرى تراها الزوجة مناسبة، وهذا يعد قمة الوفاء والتكامل بين الزوجين.
ولضمان وحفظ حقوق الزوجة، فقد اعتبر الدكتور الجوجو، أن إعطاء الزوجة مصاغها لزوجها ديناً عليه تسديده لذا على الأزواج كتابة وتوثيق هذا الدين، حتى لا تحدث أي إشكاليات للزوجة خاصةً بعد وفاته حيث تنكر بعض العائلات هذا الحق، وقد مرت المحاكم الفلسطينية بالعديد من المشكلات من هذا القبيل.
ونوه، إلى أن كتابة وتوثيق بيع مصاغ الزوجة هو لصالح الاثنين وحتى يطمأن بال الزوجة، حيث من الأولى ردّ الزوج لزوجته جميلها (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، مبيناً أن قانون الأحوال الشخصية يحفظ حقوق المرأة ويقّر بأن المهر حق خالص للزوجة ولها حرية التصرف فيه.
وفيما يتعلق بحق العائلات في منع ابنتهم من بيع مصاغها لصالح زوجها، أكد الشيخ الجوجو على أنه لا يحق للأهل منع ابنتهم من التصرف في مصاغها، خاصةً عندما تكون في بيت زوجها لأن الأمر يصبح خاصاً بين الزوجة وزوجها ولا يحق لأحد التدخل في ذلك، مشيراً إلى أنه إذا كانت الفتاة قد بلغت الرشد المالي فلا يحق لأحد التصرف أو التدخل فيما يحق لوليها التدخل فيها إذا كانت أقل من 21 عاماً.
وعن مشكلة غلاء المهور في المجتمع الفلسطيني، اعتبر الشيخ الجوجو أن المهر في مجتمعنا يحسب ما بين الشرع والعرف، حيث يتراوح ما بين (3000-5000 ديناراً) وعلى العريس المقتدر أن يقدم مهره لعروسته، أما إذا كان العريس ظروفه صعبة ويريد العفاف لنفسه فعلى أهل العروس مراعاة ذلك، خصوصاً في ظل تزايد المتطلبات مع قلة الإمكانيات المادية.